Nouvelles

التعليم الرقمي في الجزائر

الدكتور محي الدين جودي

أستاذ باحث في الإعلام الآلي

متخصص في التعليم الرقمي

جامعة بواتيه بفرنسا

بعد اتساع دائرة المعرفة والبحث في شتى الميادين وظهور الأجهزة الرقمية المستخدمة في تكنولوجيا المعلومات أصبح المجتمع يعتمد بالدرجة الأولى على المد المعلوماتي وأصبحت دول العالم اليوم تتسابق وبشكل سريع على امتلاك عوامل التطور والتقدم الحضاري في شتى المجالات، وخصوصاً في مجال التربية والتعليم إدراكاً منها بدوره الكبير في تطور وتقدم البلاد. ويعتبر تقدم مجال تقنيات المعلومات ركيزة مهمة في تطور المنظومات التعليمية الحديثة، وتعدد الابتكارات فيها. ويمكن القول بأن التقنيات التربوية التي أرست أسسها في العقد الأخير من القرن العشرين سيكون لها الدور الأكثر تعاظما في تخطيط برامج التعليم مستقبلا. ومن المصطلحات الحديثة والمنتشرة التداول والاستخدام من قبل التربويين والمهتمين بأمر التقنيات وتوظيفها في مجال التعليم تقنية التعليم الرقمي.

ما هي مكانة التعليم الرقمي؟

مع انتشار جائحة كورونا، تعتبر ثورة التعليم الرقمي من الثورات التي ستُحدث تغيرات مستقبلية إيجابية في مجال التربية والتعليم جعلت الدول تنفق الكثير من الأموال في سبيل الاستفادة منه. إن التعليم الرقمي أسلوب من أساليب التعليم في إيصال المعلومة للمتعلم، ويتم فيه استخدام آليات الاتصال الحديثة من حاسوب وشبكاته ووسائطه المتعددة من صوت وصورة ورسوميات وآليات بحث ومكتبات إلكترونية، وكذلك بوابات الإنترنت أي استخدام التقنية بجميع أنواعها في إيصال المعلومة للمتعلم بأقصر وقت وأقل جهد وأكبر فائدة. بنظرة سريعة إلى التعليم الرقمي يمكن القول إن ذلك النوع من التعليم الذي يعتمد على استخدام الوسائط الرقمية في الاتصال، واستقبال المعلومات، واكتساب المهارات، والتفاعل بين المتعلم والمعلم وبين المتعلم والمدرسة، الجامعة أو مركز التكوين، ولا يستلزم هذا النوع من التعليم وجود مباني أو صفوف دراسية، بل إنه يلغي جميع المكونات المادية للتعليم، ولكي نوضح الصورة الحقيقية له نرى أنه ذلك النوع من التعليم الرقمي بوسائله، الواقعي بنتائجه. ويرتبط هذا النوع بالوسائل الرقمية وشبكات المعلومات والاتصالات، وأشهرها شبكة المعلومات الدولية (انترنت) التي أصبحت وسيطا فاعلا للتعليم الرقمي.

ما هي الفائدة من استعمال التعليم الرقمي في الجزائر؟

تبرز أهم مزايا وفوائد التعليم الرقمي في اختصار الوقت والجهد والتكلفه إضافة إلى إمكانية الحاسوب في تحسين المستوى العام للتحصيل الدراسي، ومساعدة المعلم والمتعلم في توفير بيئة تعليمية جذابه، لا تعتمد على المكان أو الزمان. قبل التسرع وتشجيع هذا النوع من التعليم يمكن مناقشة بعض العوامل التي تشجع هذا النوع من التعليم، ومنها:

  1. زيادة أعداد المتعلمين بشكل حاد لا تستطيع المدارس المعتادة استيعابهم جميعا.
  2. يعد هذا التعليم رافدا كبيرا للتعليم المعتاد، فيمكن أن يدمج هذا الأسلوب مع التدريس المعتاد فيكون دعما له، وفي هذه الحالة فإن المعلم قد يحيل المتعلم إلى بعض الأنشطة أو الواجبات المعتمدة على الوسائط الرقمية.
  3. يعد هذا النوع من التعليم مناسبة للكبار الذين ارتبطوا بوظائف وأعمال وطبيعة أعمالهم لا تمكنهم من الحضور المباشر لصفوف الدراسة.
  4. رفع تحمس المتعلم والمحافظة على رفع عتبة الانتباه تجعله يعتمد على ذاته في بناء معارفه وتجعله يتعاون مع أفراد آخرين لجمع المعلومات وتصنيفها وتبادلهـا.
  5. إمكانية التسجيل دون التقيد بالشروط والقوانين استكمال الدراسة بالطريقة الكلاسيكية، فلا يشترط عمر معين أو مكان محدد، من أراد استكمال تعليمه ولم تتح له الفرصة لتحقيق ذلك أصبح بإمكانه عن طريق هذه الخدمة تحقيق حلمه بتطوير أدواته العلمية.

ما هي عقبات وتحديات التعليم الرقمي؟

رغم تلك الأهمية لهذا النوع من التعليم والنتائج الأولية التي أثبتت نجاح ذلك إلا إن الاستخدام لا زال في بداياته حيث يواجه هذا التعليم بعض العقبات والتحديات سواءً أكانت تقنية تتمثل بعدم اعتماد معيار موحد لصياغة المحتوى أم فنية وتتمثل في الخصوصية والقدرة على الاختراق أو تربوية وتتمثل في عدم مشاركة التربويين في صناعة هذا النوع من التعليم.

  1. العقبات المادية: مثل عدم انتشار أجهزة الحاسوب ومحدودية تغطية الانترنت وبطئها النسبي، وارتفاع سعرها (وإن كان بدأ ينخفض ولكنه لازال مرتفعا نسبيا).
  2. العقبات البشرية: إذ أن هناك شحاً كبيرا بالمعلم الذي يجيد “فن التعليم الرقمي”، وإنه من الخطأ التفكير بأن جميع المعلمين في المدارس يستطيعون أن يساهموا في هذا النوع من التعليم.
  3. العقبات النظامية: وذلك لعدم قناعة الكثير من متخذي القرار بهذا النوع من التعليم.

إنشاء شبكة بحث جزائرية للمشاركة في إيجاد الحلول

أن ظروف الحاجة الناتجة عن زيادة الأعداد والتوسع الجغرافي) تحتل الجزائر مساحة شاسعة من أراضى شمال إفريقيا بما يجعلها أكبر البلدان الإفريقية مساحة)، وأحقية جميع أفراد المجتمع في الحصول على فرصة للتعليم وخصوصية بعض فئات المجتمع، جميع هذه العوامل جعلت من الضروري تبني استراتيجيات جديدة يمكن الاعتماد عليها في تطوير المجتمع بشكل عام وبما ينعكس أثره على الدولة وتنمية عناصر القوة فيها سواء المادية أو البشرية في ظل اقتصاد عالمي يرتكز على المعرفة.

في حين تبدي الجزائر اهتماما كبيرا بقطاع الاتصالات إلا أن التجربة الجزائرية في التعليم الرقمي لازالت في بدايتها ومحتشمة، وليست بالقدر الكافي، قد يرجع ذلك لعدم الوعي التام بفعالية هذا النوع من التعليم ومدى مساهمته في رفع المستوى العلمي والتأهيلي للفرد.

على هذه الخلفية كان التفكير بتأسيس بمعية باحثين جزائريين في داخل الوطن وخارجه شبكة بحث جزائرية تسمى فورماتيك FORMATIC. تعنى باستعمال تكنولوجيا الإعلام والاتصال في التكوين، يهتم الباحثون فيها بشأن مجتمع المعرفة والمعلوماتية بالتفكير بوضع حلول ومقترحات وأراء بشأن الانطلاق نحو مجتمع معرفي جزائري يساير التطور الثقافي العالمي وتطور التقنيات العلمية الهائلة، وعلى الأخص في مجال إنشاء بنية تحتية عالية الجودة في مجال التعليم الرقمي تتناسب مع كافة الحاجات والمجالات التي تحتاجها المؤسسات الحكومية والمدنية.

من أهداف الشبكة:

  • توعية المجتمع التعليمي بأهمية هذا الأسلوب، وأنها ليست بديلا للتدريس المعتاد بقدر ما هو داعم ورافد له بتدعيم ما يسمى بالتعليم المتمازج (Blended Learning) الذي يجمع بين التعليم الرقمي والتعليم التقليدي.
  • التعبئة الاجتماعية لدى أفراد المجتمع للتفاعل مع هذا النوع من التعليم.
  • مساهمة أعضاء الشبكة في صناعة المحتوى الرقمي التربوي يراعي مبادئ الهندسة المعرفية التي تؤدي إلى تحسين عملية التعلم حيث تأخذ الصياغة اللغوية للمحتوى بعين الاعتبار الوظائف العقلية والنفسية
  • إعداد الإطارات البشرية المدربة التي تساعد على نقل هذا التعليم من مكان لآخر. ففي هذا الإطار قمنا بتأطير عدد كبير من الطلبة الذين تحصلوا على شهادات الدكتوراه والماجيستير
  • وضع برامج لتدريب الطلاب والمعلمين والإداريين للاستفادة القصوى من التقنية.
  • الإطلاع عما يجري وطنيا ودوليا وتبادل المعلومات في مجال التعليم الرقمي

ولقد أنشأنا لهذا الغرض بوابة متخصصة على الموقع (http://formatic.dzportal.net تسمح بتجميع وإتاحة المعلومات وخدمات متنوعة باللغتين الفرنسية العربية. وفي هذا الإطار شاركنا في إصدار كتاب يعتني بوضعية التعليم الرقمي في الدول الناشئة بتخصيص فصل كامل لواقع هذا النوع من التعليم في الجزائر وتحارب البحث في الجامعات الجزائرية. الفصل متوفر مجانا للتحميل على موقع الشبكة.

وماذا عن مكانة اللغة العربية؟

يحق لنا الاعتزاز بلغتنا والاستشراف بانتمائنا إليها، فهي عنوان هويتنا وأهم رابطة بين الناطقين بها، وهي أهم صلات الماضي بالحاضر والمستقبل، فاللغة العربية من أغزر اللغات مادة، وأطوعها في تأليف الجمل وصياغة العبارات، وأنها لغة ثرية بالألفاظ والكلمات التي تناسب مدارك أبنائها، وهي أمتن تركيبا، وأوضح بيانا، وأعذب مذاقا عند أهلـها.

وعلى الرغم من إن اللغة العربية في مراحل نضجها وتطورها كانت مثالا يحتذي به ، إلا انه في بداية القرن الحادي والعشرين يشار إلى وجود تخلف ثقافي للعرب في مجال اكتساب ونشر وإنتاج المعرفة باللغة العربية، هذا المؤشر للضعف في بنية المعرفة العربية في وقت يعيش فيه العالم قفزات كبيرة في امتلاك العوامل والشروط المعرفية والحلقات العلمية المعرفية المتطورة ، في حين تعيش الجزائر ومعها بقية الدول العربية  حالة تبدو معاكسة ومغايرة لمسار العالم المعرفي  مما  تؤثر سلبا على عملية نمو الاستقلال والثقة بالذات والكفاءة الاجتماعية، والقدرة على التفكير. وعليه فإنه من الضروري إذا أردنا الارتقاء بلغتنا العربية، التي فيها من أسباب النمو ربطها بالتقنية الحديثة في شتى المجالات، في تدريسها، وفي ترجمة ومعالجة النصوص التراثية. لهذه الأسباب وغيرها يتبنى مشروع شبكة فورماتيك استعمال اللغة العربية إلى جانب اللغات اللاتينية كخيار استراتيجي في صناعة المحتوى الرقمي التربوي لما للغة من دور في صيرورة التعلم.

Lire la suite